الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
قوله تعالى: {وقال الذين كفروا} لمّا دخلوا النار {ربَّنا أَرِنا اللَّذَينِ أضلاَّنا} وقرأ ابن عامر، وأبو بكر عن عاصم: {أَرْنا} بسكون الراء.قال المفسرون: يعنون إبليس وقابيل، لأنهما سنّا المعصية، {نجعلْهما تحتَ أقدامنا ليكونا من الأسفلين} أي: في الدَّرْك الأسفل، وهو أشدُّ عذابًا من غيره.ثم ذكر المؤمنين فقال: {إِنَّ الذين قالوا ربُّنا اللهُ} أي: وحَّدوه {ثم استقاموا} فيه ثلاثة أقوال:أحدها: استقاموا على التوحيد، قاله أبو بكر الصِّدِّيق، ومجاهد.والثاني: على طاعة الله وأداء فرائضه، قاله ابن عباس، والحسن، وقتادة.والثالث: على الإِخلاص والعمل إِلى الموت، قاله أبو العالية، والسدي، وروى عطاء عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية في أبي بكر الصِّدِّيق، وذلك أن المشركين قالوا: ربُّنا الله، والملائكة بناتُه، وهؤلاء شفعاؤنا عند الله، فلم يستقيموا، وقالت اليهود: ربُّنا الله، وعزيرٌ ابنُه، ومحمد ليس بنبيّ، فلم يستقيموا، وقالت النصارى: ربُّنا الله، والمسيح ابنه، ومحمد ليس بنبيّ، فلم يستقيموا، وقال أبو بكر: ربنا الله وحده، ومحمدٌ عبدُه ورسولُه، فاستقام.قوله تعالى: {تتنزَّل عليهم الملائكةُ ألاّ تَخافوا} أي: بأن لا تخافوا.وفي وقت نزولها عليهم قولان:أحدهما: عند الموت، قاله ابن عباس، ومجاهد؛ فعلى هذا في معنى {لا تخافوا} قولان:أحدهما: لا تخافوا الموت، ولا تحزنوا على أولادكم، قاله مجاهد.والثاني: لا تخافوا ما أمَامكم، ولا تحزنوا على ما خَلْفكم، قاله عكرمة، والسدي.والقول الثاني: تتنزَّل عليهم إذا قاموا من القبور، قاله قتادة؛ فيكون معنى لا تخافوا: أنهم يبشِّرونهم بزوال الخوف والحزن يوم القيامة.قوله تعالى: {نحن أولياؤكم} قال المفسرون: هذا قول الملائكة لهم، والمعنى: نحن الذين كنّا نتوّلاكم في الدُّنيا، لأن الملائكة تتولَّى المؤمنين وتحبُّهم لِما ترى من أعمالهم المرفوعة إلى السماء، {وفي الآخرة} أي: ونحن معكم في الآخرة لا نفارقكم حتى تدخلوا الجنة.وقال السدي: هم الحَفظة على ابن آدم، فلذلك قالوا: {نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة}؛ وقيل: هم الملائكة الذين يأتون لقبض الأرواح.قوله تعالى: {ولكم فيها} أي: في الجنة.{نُزُلًا} قال الزجاج: معناه: أبشروا بالجنة تنزلونها نُزُلًا.وقال الأخفش: لكم فيها ما تشتهي أنفسُكم أنزلناه نُزُلًا.قوله تعالى: {ومَن أحسنُ قولًا ممَّن دعا إِلى الله} فيمن أُريد بهذا ثلاثة أقوال:أحدها: أنهم المؤذِّنون.روى جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «نزلت في المؤذنين»، وهذا قول عائشة، ومجاهد، وعكرمة.والثاني: أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا إلى شهادة أن لا إله إلا الله، قاله ابن عباس، والسدي، وابن زيد.والثالث: أنه المؤمن أجابَ اللهَ إلى ما دعاه، ودعا الناسَ إلى ذلك {وعمل صالحًا} في إجابته، قاله الحسن.وفي قوله: {وعَمِل صالحًا} ثلاثة أقوال:أحدها: صلّى ركعتين بعد الأذان، وهو قول عائشة، ومجاهد.وروى إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم: {ومن أحسنُ قولًا ممَّن دعا إلى الله} قال: الأذان {وعمل صالحًا} قال: الصلاة بين الأذان والإِقامة.والثاني: أدَّى الفرائض وقام لله بالحقوق، قاله عطاء.والثالث: صام وصلَّى، قاله عكرمة.قوله تعالى: {ولا تَستوي الحسنةُ ولا السَّيَّئةُ} قال الزجاج: {لا} زائدة مؤكِّدة؛ والمعنى: ولا تستوي الحسنة والسَّيِّئة.وللمفسرين فيهما ثلاثة أقوال:أحدها: أن الحسنة: الإِيمان، والسَّيِّئة: الشِّرك، قاله ابن عباس.والثاني: الحِلْم والفُحْش، قاله الضحاك.والثالث: النُّفور والصَّبر، حكاه الماوردي.قوله تعالى: {ادفَعْ بالَّتي هي أحسنُ} وذلك كدفع الغضب بالصبر، والإِساءة بالعفو، فإذا فعلتَ ذلك صار الذي بينك وبينه عداوة كالصَّديق القريب، وقال عطاء: هو السَّلام على من تعاديه إذا لَقِيتَه.قال المفسرون: وهذه الآية منسوخة بآية السيف.قوله تعالى: {وما يُلَقَّاها} أي: ما يُعْطاها.قال الزجاج: ما يُلَقَّى هذه الفَعْلَة: وهي دفع السَّيَّئة بالحسنة {إلاّ الذين صبروا} على كظم الغيظ {وما يُلَقَّاها إلاّ ذو حَظٍّ عظيمٍ} من الخير.وقال السدي: إلاّ ذو جَدٍّ.وقال قتادة: الحظُّ العظيم: الجنة؛ فالمعنى: ما يُلَقَّاها إلاّ مَنْ وجبت له الجنة.قوله تعالى: {وإمّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيطانِ نَزْغٌ} قد فسَّرناه في [الأعراف: 200].قوله تعالى: {فإن استَكْبَروا} أي: تكبَّروا عن التوحيد والعبادة {فالذين عند ربِّكَ} يعني الملائكة {يسبِّحون} أي: يصلُّون.و{يَسأمون} بمعنى يَمَلُّون.وفي موضع السجدة قولان:أحدهما: أنه عند قوله: {يَسأمون}، قاله ابن عباس، ومسروق، وقتادة، واختاره القاضي أبو يعلى، لأنه تمام الكلام.والثاني: أنه عند قوله: {إن كنتم إيَّاه تعبُدون}، روي عن أصحاب عبد الله، والحسن، وأبي عبد الرحمن.قوله تعالى: {ومن آياته أنَّكَ تَرى الأرضَ خاشعةً} قال قتادة: غبراء متهشّمة قال الأزهري: إذا يَبِست الأرضُ ولم تُمْطَر، قيل: خَشَعَتْ.قوله تعالى: {اهتزَّت} أي: تحرَّكَتْ بالنَّبات {وَرَبتْ} أي: عَلَتْ، لأن النبت إذا أراد أن يَظْهَر ارتفعت له الأرضُ؛ وقد سبق بيان هذا [الحج: 5].قوله تعالى: {إِنَّ الذين يُلْحِدونَ في آياتنا} قال مقاتل: نزلت في أبي جهل.وقد شرحنا معنى الإِلحاد في [النحل: 103]؛ وفي المراد به هاهنا خمسة أقوال:أحدها: أنه وَضْع الكلام على غير موضعه، رواه العوفي عن ابن عباس.والثاني: أنه المُكاء والصفير عند تلاوة القرآن، قاله مجاهد.والثالث: أنه التكذيب بالآيات، قاله قتادة.والرابع: أنه المُعانَدة، قاله السدي.والخامس: أنه المَيْل عن الإِيمان بالآيات، قاله مقاتل.قوله تعالى: {لا يَخْفَوْنَ علينا} هذا وعيد بالجزاء {أفمن يُلْقَى في النار خير أم مَنْ يأتي آمِنًا يومَ القيامة} وهذا عامّ، غير أن المفسرين ذكَروا فيمن أُريدَ به سبعةَ أقوال:أحدها: أنه أبو جهل وأبو بكر الصِّدِّيق، رواه الضحاك عن ابن عباس.والثاني: أبو جهل وعمّار بن ياسر، قاله عكرمة.والثالث: أبو جهل ورسول الله صلى الله عليه وسلم، قاله ابن السائب، ومقاتل.والرابع: أبو جهل وعثمان بن عفّان، حكاه الثعلبي.والخامس: أبوجهل وحمزة، حكاه الواحدي.والسادس: أبو جهل وعمر بن الخطاب.والسابع: الكافر والمؤمن، حكاهما الماوردي.قوله تعالى: {اعْمَلوا ما شئتم} قال الزجاج: لفظه لفظ الأمر، ومعناه الوعيد والتهديد.قوله تعالى: {إنَّ الذين كَفَروا بالذِّكْر} يعني القرآن؛ ثم أخذ في وصف الذِّكر؛ وتَرَكَ جواب {إِنَّ}، وفي جوابها هاهنا قولان:أحدهما: أنه {أولئك ينادَوْنَ من مكان بعيد}، ذكره الفراء.والثاني: أنه متروك، وفي تقديره قولان: أحدهما: إن الذين كفروا بالذِّكْر لمّا جاءهم كفروا به.والثاني: إن الذين كفروا يجازَون بكفرهم.قوله تعالى: {وإنَّه لَكِتابٌ عزيزٌ} فيه أربعة أقوال:أحدها: مَنيعٌ من الشيطان لا يجد إِليه سبيلًا، قاله السدي.والثاني: كريمُ على الله، قاله ابن السائب.والثالث: مَنيعٌ من الباطل، قاله مقاتل.والرابع: يمتنع على الناس أن يقولوا مِثْلَه، حكاه الماوردي.قوله تعالى: {لا يأتيه الباطل} فيه ثلاثة أقوال:أحدها: التكذيب، قاله سعيد بن جبير.والثاني: الشيطان.والثالث: التبديل، رويا عن مجاهد.قال قتادة: لا يستطيع إبليس أن ينقص منه حقًا، ولا يَزيد فيه باطلًا، وقال مجاهد: لا يدخل فيه ماليس منه.وفي قوله: {مِنْ بينِ يَدَيْه ولا مِنْ خَلْفه} ثلاثة أقوال.أحدها: بين يَدَي تنزيله، وبعد نزوله.والثاني: أنه ليس قَبْلَه كتاب يُبْطِله، ولا يأتي بعده كتاب يُبْطِله.والثالث: لا يأتيه الباطل في إخباره عمّا تقدَّم، ولا في إخباره عمّا تأخر.قوله تعالى: {ما يُقالُ لكَ إلاّ ما قد قِيل للرُّسُل مِِنْ قَبْلِكَ} فيه قولان:أحدهما: أنه قد قيل فيمن ًارْسِلَ قَبْلَكَ: ساحر وكاهن ومجنون.وكُذِّبوا كما كًذِّبتَ، هذا قول الحسن، وقتادة، والجمهور.والثاني: ما تُخْبَر إلاّ بما ًاخْبِر الأنبياءُ قَبْلَك من أن الله غفور، وأنه ذو عقاب، حكاه الماوردي.قوله تعالى: {ولو جَعَلْناه} يعني الكتاب الذي أُنزلَ عليه {قرآنًا أعجميًّا} أي: بغير لغة العرب {لقالوا لولا فُصِّلت آياتُه} أي: هلاّ بيِّنت آياتُه بالعربية حتى نفهمه؟! {أأعجميٌ وعربيٌ} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وحفص عن عاصم: {آعجمي} بهمزة ممدودة، وقرأ حمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم: {أأعجمي} بهمزتين، والمعنى: أكِتابٌ أعجميٌّ ونبيٌّ عربي؟! وهذا استفهام إنكار؛ أي: لو كان كذلك لكان أشدَّ لتكذيبهم.
|